تكنولوجيا

“زوتشونجزي-3”.. إنجاز صيني جديد يعزز ريادة الحوسبة الكمومية

في خطوة جديدة تؤكد التقدم المتسارع للصين في ميدان الحوسبة الكمومية، أعلن فريق بحثي من جامعة العلوم والتكنولوجيا الصينية عن تطوير معالج كمومي جديد يُدعى “زوتشونجزي-3”، يمثل نقلة نوعية في سباق التفوق الكمومي.

يتألف المعالج الجديد من 105 كيوبتات، ما يجعله من بين أكثر المعالجات الكمومية تطورًا في العالم، ويتميز بسرعته الخارقة التي تصل إلى كوادريليون مرة (10¹⁵) أسرع من أقوى الحواسيب الكلاسيكية الحالية، وأكثر تقدمًا بمليون مرة من أحدث ما أعلنت عنه شركة غوغل في هذا المجال.

ويأتي هذا التطوير امتدادًا لسلسلة النجاحات التي حققها الفريق الصيني، بدءًا من “زوتشونجزي-1” ثم “زوتشونجزي-2″، وصولًا إلى هذا الإصدار الجديد الذي يرسّخ مكانة الصين كقوة رائدة في هذا المجال.

وتعليقًا على هذا الإنجاز، تقول الدكتورة أسماء علي، الباحثة في قسم الفيزياء النظرية والمتخصصة في الحوسبة الكمومية بجامعة المنصورة، في تصريحات للجزيرة نت:

“ما نشهده اليوم ليس مجرد تطور تقني، بل هو تحوّل جذري في فهمنا لقدرات الطبيعة وكيفية تسخيرها لإعادة صياغة الممكن في عالم المعلومات والذكاء الاصطناعي والتكنولوجيا الحديثة”.


فهم الحوسبة الكمومية

للتقريب، تُشبه الحوسبة الكمومية عقلًا يفكر بطريقة غير تقليدية؛ فبينما تستخدم الحواسيب الكلاسيكية “البتات” التي تكون إما 0 أو 1، تعتمد الحواسيب الكمومية على “الكيوبتات” القادرة على التواجد في حالتي 0 و1 في آنٍ واحد، ما يتيح تنفيذ عدد هائل من العمليات الحسابية بشكل متزامن.

تشرح د. أسماء علي هذا المفهوم قائلة:

“الأنظمة الكلاسيكية محدودة بطبيعتها، ولا تستطيع محاكاة الأداء الكمومي الذي يعتمد على ظاهرتين رئيسيتين: التراكب الكمومي، حيث يمكن للكيوبت تمثيل حالتين في نفس الوقت، والتشابك الكمومي، الذي يربط الكيوبتات ببعضها بشكل يجعل تغيير أحدها يؤثر فورًا على الآخر مهما بَعُد عنه”.

إضافة إلى ذلك، تستفيد الحوسبة الكمومية من ظاهرة التداخل الكمومي التي تمكّن الخوارزميات من تعزيز النتائج الصحيحة وإلغاء النتائج الخاطئة بطريقة لا يمكن للحواسيب الكلاسيكية تحقيقها.


سباق التفوق الكمومي

في عام 2019، كانت غوغل قد أعلنت عن أول إثبات عملي لما يسمى “التفوق الكمي”، عبر معالجها “سيكامور” الذي نفّذ عملية معقدة خلال 200 ثانية، بينما تحتاج لها الحواسيب التقليدية نحو 10 آلاف عام.
لكن هذا الإنجاز واجه تحديًا حقيقيًا مع ظهور سلسلة “زوتشونجزي”، لا سيما الإصدار الثالث الذي أظهر تفوقًا مذهلًا على أقوى معالجات غوغل.

وتوضح د. أسماء:

“التفوق الكمومي يعني قدرة الحاسوب الكمومي على حل مسائل معقدة خلال ثوانٍ، بينما قد تستغرق مئات أو آلاف السنين باستخدام الحواسيب التقليدية”.

وقد أظهرت دراسة نُشرت في دورية Physical Review Letters أن المسألة التي اختبرها الباحثون باستخدام زوتشونجزي-3 تحتاج نحو 6 مليارات سنة لحلها عبر أقوى الحواسيب الكلاسيكية، بينما أنجزها المعالج الكمومي في ثوانٍ معدودة.


عبقرية “زوتشونجزي-3”

تكمن عبقرية المعالج في تفوقه على التحديات التقنية، لا سيما الضوضاء الكمومية التي تمثّل أحد أبرز العوائق في هذا المجال. فقد استخدم الفريق مواد خاصة تقلل من التداخلات البيئية، واعتمد على هندسة تصميمية متقدمة تحسّن التفاعل بين الكيوبتات، مما سمح بإجراء عمليات دقيقة وموثوقة.

من أبرز معايير تفوق المعالج:

  • زمن التماسك الكمومي: بلغ 72 ميكروثانية، ما يتيح للكيوبتات الحفاظ على حالتها لفترة أطول.
  • دقة العمليات: وصلت إلى 99.9%، وهي نسبة عالية تقلل الحاجة لتقنيات تصحيح الأخطاء.

وتضيف د. أسماء:

“هذه المعايير تفتح الباب أمام تطبيقات متقدمة في الذكاء الاصطناعي، والتشفير، ومحاكاة الأنظمة الفيزيائية المعقدة، ما يعزز فرص الاستفادة العملية من الحوسبة الكمومية”.


من الماضي إلى المستقبل

سُمِّي المعالج باسم العالم الصيني “زوتشونجزي”، الذي عاش في القرن الخامس الميلادي، واشتهر بدقته في الحسابات الفلكية وتقدير قيمة “باي”.
وتختتم د. أسماء تعليقها بالقول:

“لو عاد زوتشونجزي اليوم ورأى هذا المعالج الذي يحمل اسمه، لذهل من قدرة الحوسبة الكمومية على إنجاز ما كان يبدو مستحيلًا، ولاندهش من تحوّل الحوسبة من مفاهيم حتمية إلى فضاء احتمالي يصنع المعجزات”.

وفي ظل هذا التطور المتسارع، يعمل الفريق الصيني حاليًا على تعزيز الأداء الكمومي أكثر عبر تطوير تقنيات تصحيح الأخطاء وتحسين التشابك الكمومي، ما ينبئ بقفزات مستقبلية قد تغيّر شكل العالم الرقمي كما نعرفه.

زر الذهاب إلى الأعلى