الأمم المتحدة: لا يمكن انتظار رفع العقوبات لبدء تعافي الاقتصاد السوري

أكد عبد الله الدردري، الأمين العام المساعد لبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي، على أهمية الشروع في عملية التعافي الاقتصادي في سوريا دون انتظار رفع العقوبات الدولية، مشددًا على ضرورة تحقيق نتائج ملموسة تنعكس سريعًا على حياة المواطنين.
وفي تصريح لوكالة الصحافة الفرنسية خلال زيارته إلى دمشق، أشار الدردري إلى أن العقوبات لا تزال تمثل تحديًا رئيسيًا أمام جهود إعادة الإعمار بعد الإطاحة بنظام بشار الأسد. وقال: “رفع العقوبات هدف نسعى إليه، لكن لا يجوز أن نُبقي عملية التعافي رهينة له، بل يجب أن نعمل بالتوازي على تحريك الاقتصاد رغم وجودها”.
وأضاف: “عندما تتوفر خطة واضحة وأولويات محددة، فإن رفع العقوبات سيواكبه تدفق في التمويل الدولي إلى سوريا”.
وتواصل الحكومة السورية بقيادة الرئيس أحمد الشرع مطالبتها بإلغاء العقوبات المفروضة إبان حكم النظام السابق، بهدف إنعاش الاقتصاد الذي أنهكته سنوات من الحرب. ورغم بعض التخفيف المحدود من قبل دول كالولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، فإن رفع العقوبات بالكامل ما زال مشروطًا بتحقيق تقدم في ملفات مثل مكافحة الإرهاب وحقوق الإنسان.
وفي تقرير صدر عن برنامج الأمم المتحدة في فبراير/شباط الماضي، حذر الخبراء من أن معدلات النمو الحالية لن تمكن سوريا من استعادة مستوى ناتجها المحلي كما كان قبل عام 2011، قبل حلول عام 2080. وقدرت الخسائر الاقتصادية الإجمالية منذ بداية الأزمة بنحو 800 مليار دولار.
وأشار التقرير إلى أن 90% من السوريين يعيشون تحت خط الفقر، فيما تبلغ نسبة البطالة 25%، وانخفض الناتج المحلي إلى أقل من نصف مستواه في 2011. كما تراجع مؤشر التنمية البشرية إلى ما دون مستويات عام 1990، بما يعكس ضياع أكثر من ثلاثة عقود من التقدم التنموي.
واعتبر الدردري أن “الخسارة الاقتصادية الكبرى ليست فقط في حجم الدمار، بل في الفجوة بين ما كان يجب أن يكون عليه الاقتصاد السوري عام 2025 والنقطة التي يقف عندها حاليًا”، مشيرًا إلى أن الناتج المحلي المتوقع كان يُفترض أن يبلغ 125 مليار دولار، إلا أنه لا يتجاوز اليوم 30 مليارًا.
وأوضح أن التعافي يبدأ بتحقيق “إنجازات سريعة يلمسها المواطن في حياته اليومية”، كمثال على ذلك إنشاء مركز صحي، أو افتتاح ورشة، أو تحسين الخدمات المحلية.
وأكد ضرورة تعزيز دور المجتمع المدني إلى جانب الحكومة في تقديم الخدمات وتحسين الأداء، بما يجعل المواطن يشعر بتحسن ملموس في النظافة العامة، وانسيابية حركة المرور، وغيرها من مظاهر الحياة اليومية، رغم الظروف الصعبة التي تمر بها البلاد.
وقد خلّف النزاع المسلح في سوريا أكثر من نصف مليون قتيل وملايين النازحين. ووفقًا لبيانات الأمم المتحدة، عاد أكثر من 900 ألف نازح داخلي إلى ديارهم منذ الإطاحة بنظام الأسد في ديسمبر/كانون الأول الماضي.
وأشار الدردري إلى أن الدمار المادي، خصوصًا في قطاع الإسكان، كان هائلًا، حيث تم تدمير 375 ألف منزل بالكامل وتضرر أكثر من 1.5 مليون منزل جزئيًا. وقدّر تكلفة إعادة بناء هذه المساكن بعشرات المليارات من الدولارات، لافتًا إلى أن ضعف التمويل الدولي بعد عودة الرئيس الأميركي دونالد ترامب إلى السلطة يحتم البحث عن أدوات تمويل مبتكرة تساعد السوريين على استعادة منازلهم.
ومن المقرر أن يشارك وفد رسمي سوري، يضم وزراء الخارجية والمالية وحاكم المصرف المركزي، في اجتماعات الربيع للبنك الدولي وصندوق النقد الدولي في واشنطن، حيث سيتم بحث دعم جهود إعادة الإعمار وإنعاش الاقتصاد، وهي عملية معقدة وطويلة الأمد.
وعقد الدردري خلال زيارته إلى دمشق لقاءات مع مسؤولين سوريين بحث فيها سبل التعاون بين الحكومة وبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي. وردًا على سؤال حول دور البرنامج بعد التغيير السياسي في البلاد، أوضح أن الأولوية في السنوات الماضية كانت للمنظمات الإنسانية، أما اليوم، فإن البرنامج بات يعمل “في المقعد الأمامي إلى جانب الحكومة”، على حد تعبيره.
وأضاف أن البرنامج وضع خطة شاملة لمستقبل الطاقة في سوريا، وموّل مشروع تطوير محطة دير علي جنوب دمشق بنحو 30 مليون دولار، وهي إحدى أهم المحطات الكهربائية في البلاد.