ما الفوائد الاقتصادية المتوقعة للمغرب من استضافة كأس العالم 2030؟
بعد محاولات متعددة، تمكنت المملكة المغربية من الفوز بحق استضافة كأس العالم 2030، وذلك بعد إعلان الاتحاد الدولي لكرة القدم نجاح الملف الثلاثي المشترك بين المغرب وإسبانيا والبرتغال. يعتبر تنظيم هذه النسخة من البطولة حدثًا تاريخيًا حيث ستجري المباريات في قارتين مختلفتين، بدءًا من أوروغواي وباراغواي والأرجنتين للاحتفال بالذكرى المئوية لأول بطولة كأس العالم، ثم تنتقل المنافسات إلى المغرب وإسبانيا والبرتغال.
تنظيم كأس العالم ليس مجرد مناسبة رياضية بل فرصة لتحقيق فوائد اقتصادية كبيرة للبلدان المضيفة، سواءً في مجال السياحة، الخدمات، البنية التحتية، وغيرها من القطاعات التي ستشهد تأثيرًا إيجابيًا.
منافع
في النسخة الأخيرة من كأس العالم التي أُقيمت في قطر، نجح المغرب في لفت انتباه العالم بعدما تأهل للمربع الذهبي للبطولة للمرة الأولى في تاريخه، بعد أن تغلب على منتخبات قوية وتاريخية مثل إسبانيا والبرتغال وكرواتيا. واليوم، يأتي المغرب إلى الأضواء من جديد بعدما أعلن الفيفا قبول الملف الثلاثي لاستضافة بطولة كأس العالم لعام 2030.
يشير الخبير الاقتصادي محمد الجدري إلى أن تنظيم المملكة لحدث عالمي مثل كأس العالم “سيكون له تأثير إيجابي على الاقتصاد الوطني وسيسهم في التنمية، خاصة في مجال إيجاد فرص العمل للشباب وخلق الثروة”.
ويوضح الجدري أن هذه الفوائد ستتحقق على مراحل مختلفة، بدءًا من السنوات التي تسبق انطلاق البطولة، وخلال فترة إقامتها، وأيضًا بعد انتهائها.
ويوضح الجدري أن المغرب سيشهد خلال السبع سنوات القادمة تسريعًا في إنجاز مجموعة من مشاريع البنية التحتية، مثل بناء الملاعب ومراكز التدريب وتطوير البنية الطرقية ووسائل النقل بين المدن وإنشاء فنادق ومطاعم ومقاهي، بالإضافة إلى مشروع كبير يتعلق بتوسيع الشبكة القطارية الفائقة السرعة التي ستربط بين الدار البيضاء وأغادير.
ويشير إلى أن هذه المشروعات ستعزز الاقتصاد وستوفر آلاف فرص العمل، سواء كانت مباشرة أو غير مباشرة.
وجهة سياحية
يرى المحلل الاقتصادي رشيد ساري أن تنظيم المونديال في المغرب سيجعله وجهة سياحية مغرية ومكان جاذب للسياح من مختلف أنحاء العالم، وهذا سيساهم بشكل كبير في زيادة مساهمة قطاع السياحة في الناتج الداخلي الخام للبلاد.
وأوضح ساري قائلاً: “إذا كانت السياحة تسهم حالياً بنسبة 7% في الناتج الداخلي الخام، فمن المتوقع أن ترتفع هذه النسبة إلى ما يصل إلى 30% بعد تنظيم هذا الحدث الرياضي الضخم”.
بالإضافة إلى ذلك، يتوقع محمد الجدري أن يحقق قطاع السياحة إيرادات هامة، حيث من المتوقع استقبال المغرب لحوالي 26 مليون سائح بحلول عام 2030.
ويشير رشيد ساري إلى أن هذا الحدث هو فرصة لتنظيم ورش واجتماعات جانبية للترويج للتراث الثقافي والتاريخي للمملكة، ولعرض إمكانياتها الاقتصادية واستقطاب المستثمرين.
ويضيف قائلاً: “سيجذب المغرب شخصيات هامة من مختلف أنحاء العالم، لذا ينبغي علينا العمل على تسليط الضوء على إنجازات المغرب في مجالات مثل صناعة السيارات والطاقة المتجددة والصناعات التحويلية والهيدروجين الأخضر”.
ويؤكد ساري على ضرورة إعداد ملف اقتصادي متكامل يتعرض للعالم خلال فترة تنظيم كأس العالم، بهدف جذب الاستثمارات وتعزيز التعاون الاقتصادي.
اقتناص الفرصة
ساري يشدد على ضرورة استغلال المملكة هذه الفرصة لتعزيز القطاع الرياضي، مشيرًا إلى أن تقرير المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي الصادر العام الماضي أكد أن مساهمة الرياضة في الاقتصاد ضئيلة للغاية. وتشير الأرقام في التقرير إلى أن مساهمة الرياضة في الناتج الداخلي الإجمالي تبلغ 0.5% فقط. لهذا السبب، يُؤكد رشيد ساري على أهمية تعزيز البنية التحتية الرياضية بشكل شامل بهدف زيادة مساهمتها في الناتج الداخلي الإجمالي إلى نسبة تتراوح ما بين 2% و3%.
ويشدد ساري أيضًا على أهمية هذا الحدث في تعزيز الإعلام الرياضي، مشيرًا إلى ضرورة الاستثمار في البنية التحتية الإعلامية لمتابعة الأحداث الرياضية الهامة المقبلة في البلاد.
ومن المتوقع أن تستضيف المغرب 30 مباراة من إجمالي مباريات البطولة، وستُقام هذه المباريات في 6 مدن مختلفة، وهي الدار البيضاء والرباط وطنجة ومراكش وأغادير وفاس.
وتشير دراسة أجرتها مؤسسة “صوجي كابيتال جستيون” التابعة لمجموعة الشركة العامة للمغرب إلى أن تنظيم كأس العالم في المغرب سيتطلب استثمارات تتراوح بين 50 و60 مليار درهم، وهي تكاليف تشمل بناء وتجديد الملاعب، وإقامة مراكز تدريبية جديدة، وتطوير شبكات النقل والبنية التحتية، بالإضافة إلى تكاليف التنظيم العام.
وستتم تمويل هذه التكاليف جزئيًا من قبل الدولة بمبلغ 23 مليار درهم، ومن المؤسسات العمومية أو الحكومية بمبلغ 17 مليار درهم، بينما سيتم الحصول على 10 مليارات درهم من مصادر أخرى.
وتتضمن توزيع التكاليف:
- بناء وتجديد الملاعب بتكلفة تقدر بحوالي 17 مليار درهم.
- إقامة وتجديد مراكز التدريب بميزانية 8 مليارات درهم.
- تطوير شبكات النقل والبنية التحتية بتكلفة 17 مليار درهم.
- تكاليف التنظيم العامة المشتركة بين الدول المنظمة للحدث بمبلغ 10 مليارات درهم.
تحفيز
وفقًا للدراسة، يُعتبر تنظيم كأس العالم فرصة مهمة لتحفيز عدد من القطاعات الاقتصادية في المغرب. سيشهد قطاع البناء استفادة كبيرة من هذه الفرصة من خلال تنفيذ مشاريع ضخمة، وهذا سيُحدث نشاطًا وانتعاشًا في القطاع، مما سيُسهم في توفير آلاف فرص العمل وتعزيز عدد من الصناعات المحلية.
من ناحية أخرى، سيستفيد القطاع السياحي بشكل كبير من تدفق السيّاح خلال السنة التي ستستضيف فيها البطولة وفي السنوات التي تليها. وهذا سيؤدي إلى زيادة الطلب على الإقامات الفندقية والخدمات السكنية. يُتوقع أن يُوفر توفير 100 ألف سرير إضافي وتحقيق عائدات تصل إلى 120 مليار درهم، أي ما يعادل حوالي 12 مليار دولار.
بالنسبة للقطاع المصرفي، سيستفيد من زيادة تمويل مشاريع البنية التحتية، مما سيعزز من القطاع المصرفي ويزيد من استثماراته في المشاريع الكبرى.
أيضًا، ستشهد شركات الاتصالات زيادة في حركة المكالمات ونقل البيانات، وسيتم الاستثمار في توسعة البنية التحتية وتطوير تقنية الجيل الخامس.
إجمالًا يؤكد خبراء الاقتصاد أن تنظيم كأس العالم يعتبر فرصة استثمارية هامة يجب الاستفادة منها لتحقيق تنمية حقيقية واقتصادية للمملكة، وسينعكس ذلك في نهاية المطاف على مستوى حياة المواطن المغربي ومستوى عيشه.