هل الجيش الإسرائيلي جاهز لاجتياح قطاع غزة في مواجهة القسام من المسافة صفر؟
تحاول القيادة الإسرائيلية جاهدة إصلاح فشلها الكبير والهزيمة المذلة التي منيت بها نتيجة لعملية “طوفان الأقصى” التي شنتها كتائب القسام، الذراع العسكري لحركة المقاومة الإسلامية (حماس)، في الصباح السابع من أكتوبر/تشرين الأول الحالي على مواقع الجيش الإسرائيلي والمستوطنات في قطاع غزة.
الهجوم المفاجئ والمدمر من الناحية النتائج وضع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو وحكومته في موقف صعب أمام الجمهور والرأي العام الإسرائيلي، بالإضافة إلى حلفائه.
ويعزى الفشل الكبير لنتنياهو وحكومته والجيش – وفقًا لمراقبين – إلى أنهم راهنوا بشكل كبير على أن الحكومة اليمينية المتطرفة هي الوحيدة التي قادرة على توفير الأمن للإسرائيليين. ولكن مع هذا الهجوم الذي أسفر عن آلاف القتلى والجرحى، بالإضافة إلى العديد من الأسرى – وفقًا لتقديرات الجانب الإسرائيلي – بمن فيهم بعضهم يحمل رتبًا عسكرية عالية لم تكن معروفة من قبل، وهذا ما لم تكشف عنه حتى الآن من قبل المقاومة.
تهاوي النظرية الأمنية
شغلت الصحافة والرأي العام في إسرائيل خلال الأسبوع الماضي بتفسير حادثة هجوم طوفان الأقصى الذي نجح في دقائق معدودة في تقويض أسس النظرية الأمنية الإسرائيلية المعتمدة على ثلاثة أركان: “قوة الردع، والأسوار، ودعاية الجيش القوي الذي لا يُقهَر”.
تسببت هذه العملية في انهيار استراتيجية إسرائيل في التعامل مع غزة وسيطرة حركة حماس عليها، كما كشفت عن فشل كبير في مختلف مكونات الجهاز العسكري والأمني الذي اعتمدته إسرائيل لتنفيذ استراتيجيتها.
الفشل الأكبر يتمثل – وفقًا لتقرير نشره المركز العربي للأبحاث – في عدم قدرة الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية (أمان) والشاباك على توقع الهجوم أو الحصول على معلومات مسبقة حوله. إضافة إلى ذلك، أظهر الجدار الأمني الذي بنيته إسرائيل حول غزة هشاشته وعجزه في منع اختراق المقاتلين الفلسطينيين.
وتكبّد الجيش الإسرائيلي فشلًا في حماية المستوطنات والقواعد العسكرية الواقعة بالقرب من قطاع غزة، مما أدى إلى شلل في القيادة العسكرية والسياسية الإسرائيلية وفقدان التوازن. وزاد هذا الفشل في تأخر الاستجابة لاستعادة المواقع العسكرية والمستوطنات التي سيطر عليها المقاتلون الفلسطينيون.
عملية القسام أثّرت سلبًا على قدرة المؤسسة العسكرية الإسرائيلية على اتخاذ القرار والتعامل مع متطلبات الوضع الأمني والعسكري، وأثر الارتباك على مؤسسات الدولة الأخرى التي لم تتمكن من التعامل بفعالية مع نتائج هذا الهجوم.
العنف هدف بحد ذاته
واستكمالًا لهذا السياق، يظهر أن الحرب التي أعلنتها إسرائيل كان لها طابع انتقامي نتيجة الصدمة، وهذا التوجه تجلى في تصريحات قادتها، مثل تصريح نتنياهو حيث قال: “ما سنفعله بأعدائنا سيتردد صداه لأجيال”.
وبالتالي، تعمل القيادة السياسية والعسكرية الإسرائيلية على البحث عن سبل لاستعادة سمعتها بعد هذه الصدمة القوية. ومنذ اليوم الأول للحرب، أعلنت حالة الحرب وحددت هدفًا واحدًا لعملياتها العسكرية في القطاع، وهو القضاء النهائي على حركة حماس.
وأعلن نتنياهو أن كل عضو في حماس يجب أن يعتبر “نفسه في عداد الأموات”، وتعهد رئيس أركان الجيش الإسرائيلي هرتسي هاليفي بـ”تفكيك” حماس، وخص بالذكر هدفها في قطاع غزة.
ويُظهر هذا السياق – وفقًا لتقرير نشره مركز الجزيرة للدراسات – أن رفع مستوى العنف الإسرائيلي في قطاع غزة هو هدف ذاتي في هذه الحرب، وهذا ما أصبح واضحًا من الأيام الأولى للصراع.
فقد شنت إسرائيل حربًا قاسية تستهدف المدنيين الأبرياء في قطاع غزة، حيث قامت بقطع إمدادات المياه والكهرباء وجعلت الحياة مستحيلة. كما طالبت بنزوح نصف سكان القطاع من منازلهم. وبلغ عدد ضحايا هذه الحرب حوالي 2200 شهيد وآلاف الجرحى، بالإضافة إلى مئات الآلاف الذين أجبروا على النزوح.
رد الكرامة
على الرغم من العنف الغير مسبوق الذي شهدته، يعتقد الجمهور الإسرائيلي أن حكومته لن تستعيد هيبتها. حتى بعد إطلاق عشرات الآلاف من القذائف والصواريخ من الدبابات والطائرات المقاتلة، والزوارق الحربية، فإنهم يرون أن هذه القوة لن تطفئ “وهج النصر” الذي حققته المقاومة في بداية المعركة.
استخدمت النائبة في الكنيست من حزب الليكود الحاكم، تالي جوتليف، مصطلح “رد الكرامة لإسرائيل” لتعبير عن تصاعد التوتر. في تغريدة على منصة إكس، قالت إن “انفجارًا يهز الشرق الأوسط وحده سيعيد لهذا البلد كرامته وقوته وأمانه. إن إطلاق صواريخ بقوة لا حدود لها لن يترك أي شيء سالمًا على وجه الأرض، بل سيجتاح غزة ويجعلها خرابًا تامًا دون رحمة”.
استجابةً لهذا الوضع ولمحو “عار الهزيمة”، شكل نتنياهو حكومة طوارئ وأعلن وزير الأمن استدعاء أكثر من 300 ألف من قوات الاحتياط استعدادًا لشن حرب على قطاع غزة. وعُقد اجتماع للحكومة الإسرائيلية، حيث كلَّف “الكابينت” السياسي الأمني المكون من 11 وزيرًا باتخاذ القرار بشأن بدء الحرب أو عملية عسكرية كبيرة.
الهجوم البري
يشتمل الغزو البري لقطاع غزة على مخاطر كبيرة تهدد الجيش الإسرائيلي، حيث سيكون عليه أن يواجه القتال في الأحياء السكنية ويجتاز المنازل بمهمة تعقيدية. ولاسيما أن مساحة غزة لا تسمح بتحقيق أهداف إسرائيلية كبيرة في هذا السياق. هذا بالإضافة إلى الخطر الكبير الذي يشكله القتال الحضري على المدنيين.
على سبيل المثال، خلال العدوان الإسرائيلي على غزة في عام 2014، تكبدت قوات المشاة الإسرائيلية خسائر كبيرة في حي الشجاعية نتيجة للألغام المضادة للدبابات وللقناصة والكمائن. وفي الوقت نفسه، فقد فقد عشرات المدنيين أرواحهم.
لذا، يعقب أن استعداد كتائب القسام وغيرها من فصائل المقاومة لمواجهة هجوم إسرائيلي سيجعل مهمة الجيش الإسرائيلي شديدة الصعوبة وتقريبا مستحيلة. فهناك العبوات الناسفة والكمائن وشبكة الأنفاق الواسعة والقذائف المتطورة التي أعلنتها المقاومة.
وبوجود آلاف المقاتلين المدربين تحت علم كتائب القسام وفصائل المقاومة الأخرى، والذين يتمتعون بعزم قتالي عالي واستعداد للتضحية، كما أظهروا ذلك في هجوم “طوفان الأقصى”، فإن قوات المشاة الإسرائيلية التي ستنفذ الهجوم تعتبر بوضوح أقل قوة من القوات الخاصة الإسرائيلية التي دخلت غلاف غزة. هذا وفقًا للمحلل العسكري في صحيفة “يديعوت أحرونوت” يوسي يهوشواع.
ستجعل الحرب البرية من قوات المقاومة، وخاصة كتائب القسام، قادرة على تحديد مسار العمل والاستفادة من طبيعة المدن والمخيمات في غزة. سيضطر الهجوم البري بالضرورة إلى القتال من مسافة صفرية، مما سيمكن من تنفيذ مناورات والتحالف مع العدو من الخلف والهجوم عليه بوقت غير متوقع. هذا ما أشار إليه المفكر الفلسطيني منير شفيق في تقدير موقف عسكري نشر على وسائل التواصل الاجتماعي. وهذا يعزز فرصة المقاومة في هذا الصراع.
تحرير الرهائن
إلى جانب ما تم ذكره سابقاً، يميز هذا الصراع عن الحروب السابقة بوجود هدف واضح لاستعادة الأسرى والمحتجزين لدى المقاومة في غزة، ومصير هؤلاء يشكل عقدة مهمة في استراتيجية العملية البرية.
من وجهة نظر المحلل العسكري الإسرائيلي أمير بار شالوم، إن إنقاذ هذا العدد الكبير من المحتجزين في مناطق مختلفة من غزة قد يتجاوز قدرات القوات الخاصة التابعة لوحدة النخبة الإسرائيلية.
مع ذلك، يُعطى الرأي العام الإسرائيلي أهمية كبيرة لمصير الأسرى، وهذا يزيد من التحفيز للتصعيد ضد غزة، ما لم يكن هناك نية لاستخدام “بروتوكول هانيبال” والتضحية بهم مقابل استعادة هيبة الردع التي فقدتها إسرائيل. إذ إن استعادتهم يتطلب بالضرورة التفاوض والتوصل إلى صفقة مع حماس للإفراج عن الأسرى الفلسطينيين. ومن الواضح أن الاحتلال ليس مستعدًا لهذه الخطوة.
وبناءً على هذه المعطيات، يبقى هدف إسرائيل النهائي في الحرب على غزة مهمة شبه مستحيلة، ويعتقد مراقبون عسكريون أن أي عملية عسكرية في غزة -على الأقل- ستكون “الجولة السادسة”، وستكون أكثر عنفًا من الجولات الخمس السابقة، وأكثر إصرارًا في استهداف القتل والإبادة للفلسطينيين، بالإضافة إلى التسعيرة البشعة التي ستدفع في حياة المدنيين والحصار المشدد على غزة.
وتثير تلك الأوضاع تساؤلات كبيرة لدى المحللين العسكريين في إسرائيل بشأن نجاح العملية في إضعاف المقاومة في غزة.