بروتوكول هانيبال الإسرائيلي جندي قتيل خير من جندي أسير
بروتوكول هانيبال (المعروف أيضاً بتوجيه هانيبال) هو إجراء يتبعه الجيش الإسرائيلي لمنع أسر جنوده، حتى وإن كان ذلك يتطلب قتلهم. هذا البروتوكول يسمح بقصف مواقع تواجد الجنود الأسرى. تم صياغته من قبل ثلاثة ضباط رفيعي المستوى وأُبقي سريًا حتى تم اعتماده في عام 2006.
بروتوكول “هانيبال” أثار جدلاً واسعًا في إسرائيل، حيث يصفه بعض المعارضين بأنه “اختيار وحشي” يضع حياة الأسرى في خطر، حتى وإن كان بإمكانهم أن يتم إنقاذهم.
إسرائيل قامت بتنفيذ توجيه “هانيبال” في عدة مناسبات منذ عام 1986، وتم تطبيقه بشكل مكثف في رفح عام 2014، حيث تم تطبيقه على 11 إسرائيليًا في 7 مرات، وللأسف نجا فقط جندي واحد.
مصطلح “بروتوكول هانيبال” عاد إلى الواجهة مجددًا خلال عملية “طوفان الأقصى”، التي نفذتها المقاومة الفلسطينية في أكتوبر/تشرين الأول 2023. في هذه العملية، اقتحمت مستوطنات في منطقة غلاف غزة وسيطرت على مواقع وقواعد عسكرية إسرائيلية، وأسرت عددًا من المدنيين والجنود الإسرائيليين، مما دفع الاحتلال إلى الرد بقوة على غزة، مما أسفر عن سقوط العديد من الضحايا والجرحى.
ما بروتوكول “هانيبال”؟
هناك تباين في الآراء بخصوص تسمية البروتوكول العسكري المعروف باسم “هانيبال” ومن يعتقدون أنه صاغ هذا المصطلح بالضبط. بعض الأشخاص يعتقدون أن هذا المصطلح يُرتبط بالطريقة التي انهى بها زعيم قرطاج التاريخي “حنبعل برقا” حياته، حيث قرر أن يتسمم بدلاً من الوقوع أسيرًا في أيدي الرومان.
من ناحية أخرى، يرون آخرون أن اسم هذا النظام – والذي ظل سرًا عسكريًا حتى عام 2006 – تم اختياره عشوائيًا من قبل جهاز حاسوب تابع لجيش الاحتلال قبل نحو ثلاثة عقود، وتم تطويره بواسطة ثلاثة من أكبار ضباط الجيش.
الجيش الإسرائيلي هو الوحيد الذي يستخدم هذا الإجراء في العالم، وذلك على الرغم من التقييمات والانتقادات المتكررة من الداخل التي تشكك في فعاليته وتعتبر أنه لا يوفر الحماية الكافية لقواته في الميدان.
توجيه شفوي ونسخة سرية
تعود أصول تطوير البروتوكول المعروف بـ”توجيه هانيبال” إلى عام 1985 بعد توقيع صفقة تسمى “الجليل” بين إسرائيل وحركة الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين بزعامة أحمد جبريل. في هذه الصفقة، تم تبادل 3 جنود إسرائيليين مع 1150 أسير فلسطيني.
بعد هذه الصفقة، تم تطوير النظام المعروف باسم “توجيه هانيبال” رسميًا في عام 1986، بعد خمسة أشهر من اختطاف حزب الله اللبناني لجنديين إسرائيليين، وقد وُصِفت عمليات تبادل الأسرى بأنها “غير متوازنة”. هذا النظام هدف إلى منع اختطاف زملاء الجنود الإسرائيليين بأي وسيلة ضرورية.
صاغ البروتوكول في تلك الفترة يوسي بيليد، رئيس القيادة الشمالية للجيش الإسرائيلي، بالتعاون مع لجنة تضمت الجنرال المتقاعد أوري أور، ورئيس أركان الجيش الإسرائيلي السابق غابي أشكنازي، وقائد المنطقة الشمالية في الجيش عمرام ليفين، والجنرال العقيد السابق يعقوب أميدرور، الذي كان مستشار الأمن القومي.
لعدة عقود، تم منع الصحفيين من التحدث عن هذا البروتوكول أو نشر نصه بسبب مخاوف من أن ذلك قد يؤدي إلى تأثير سلبي على معنويات الشعب الإسرائيلي. وفي عام 2003، بدأ طبيب إسرائيلي حينها في الدعوة لإلغاء هذا البروتوكول بعد معرفته به أثناء خدمته كجندي احتياطي في لبنان، مما أدى في النهاية إلى رفع السرية عنه.
يُعتقد أن هناك نسختين مختلفتين من “توجيه هانيبال”، إحداها نسخة سرية مكتوبة وغير متاحة إلا للأفراد على أعلى مستوى في الجيش الإسرائيلي، والأخرى هي توجيه شفهي يُبلغ لقادة الوحدات والمستويات الأدنى.
قتيل لا أسير
مفهوم “الجندي القتيل أفضل من الجندي الأسير”، والذي يعد جوهر عقيدة بروتوكول “هانيبال” من وجهة نظر الجيش الإسرائيلي، يقوم على تحديد الخطوات التي يجب على الجيش اتخاذها في حالة اختطاف جندي. هدف هذا المفهوم هو منع وقوع الجنود في أيدي العدو، حتى لو تطلب ذلك قتلهم.
المسؤولون العسكريون يعتبرون أن اختطاف الجنود هو أمر إستراتيجي وليس تكتيكيًا، وأنه يحمل تكاليف باهظة للغاية يجب على إسرائيل تحملها من أجل إطلاق سراح الجنود المختطفين.
يعتمد البروتوكول في جوهره على مبدأ السياسة المعروفة بالأرض المحروقة، وينص على فتح النار عشوائيًا في حالة اختطاف أحد الجنود بهدف قتل الآسرين والجندي المأسور معه.
ويكلف البروتوكول القائد المحلي بالمسؤولية الكاملة لاتخاذ هذه الإجراءات، لأنه في مثل هذه الحالات تكون الدقائق الأولى حاسمة.
في عام 2011، تم تسجيل قائد وحدة جولاني وهو ينقل لوحدته أن “لن يتم اختطاف أي جندي في الكتيبة 51 بأي ثمن أو تحت أي ظرف. حتى لو كان ذلك يتطلب تفجير قنبلته اليدوية مع أولئك الذين يحاولون القبض عليه، حتى لو كان ذلك يعني أن وحدته ستضطر إلى إطلاق النار على سيارة الهروب”.
بروتوكول ثلاثي بديل
على الرغم من أن تفاصيل بروتوكول “هانيبال” كانت سرية لسنوات، فقد أثار هذا البروتوكول جدلاً شديداً حتى تم تعديله بعد اختطاف الجندي الإسرائيلي “جلعاد شاليط” إلى غزة في 2006. تم تخفيف لغة الوثيقة السابقة المثيرة للجدل لتوضيح أنها لا تدعو إلى القتل العمد للجنود الأسرى.
رئيس أركان الجيش الإسرائيلي، بيني غانتس، أسس مبدأ “التأثير المزدوج”، والذي نص على أن النتيجة السيئة (قتل جندي أسير) مسموح بها فقط كأثر جانبي للترويج لعمل جيد (وقف خاطفيه).
في 2016، أعلن رئيس أركان الجيش الإسرائيلي السابق، غادي آيزنكوت، إلغاء بروتوكول “هانيبال” بناءً على توصية النائب العام للدولة يوسيف شبيرا. تم إصدار توجيه جديد بدلاً عنه لتنظيم التعاطي مع حالات اختطاف الجنود.
الوثيقة القديمة كانت تنص على أنه يجب على أفراد الجيش إحباط أي عملية اختطاف للجنود حتى لو كان ذلك يتطلب إيذاء أو جرح أحد زملائهم الجنود. بينما يدعو التعديل الجديد إلى تجنب إصابة الجنود المخطوفين، وهذا ينطبق في سياق تنظيم حالات اختطاف الجنود داخل إسرائيل خلال فترات السلم.
جدل وانتقادات
بروتوكول “هانيبال” أثار جدلاً وانتقادات داخل المجتمع الأمني الإسرائيلي منذ أن أصبح رسمياً. تركز هذه الانتقادات على الجوانب الأخلاقية والعواقب المختلفة لتوجيهاته.
لسنوات طويلة، كان التوجيه مفتوحًا لتفسيرات مختلفة وكان مثيرًا للجدل بين الجنود الإسرائيليين. قائد بعض الوحدات، وفقًا لتحقيق أجرته صحيفة “هآرتس”، رفض تقديم توجيه “هانيبال” لجنوده بحجة أنه “غير قانوني”.
من الناحية العملية، قدّم كل قائد عسكري تفسيراته الخاصة لتنفيذ أوامر “هانيبال” لجنوده. ونقلت تقارير إخبارية أن بعض القادة أمروا جنودهم بتفجير أنفسهم بقنابل يدوية إذا وجدوا أنفسهم في خطر الاختطاف.
جمعية الحقوق المدنية في إسرائيل وجدت هذه التصرفات غير قانونية وحثت النائب العام على توجيه توجيهات للجيش بأن مثل هذه الأعمال العسكرية غير مسموح بها. وأكد مستشار القانون الرئيسي للجمعية أن تنفيذ “هانيبال” في مناطق كثيفة السكان ينتهك مبدأ التمييز في القانون الدولي الإنساني ويعتبر غير قانوني من الناحية الأخلاقية.
بعض قادة الكتائب رفضوا تمرير توجيهات “هانيبال” إلى قواتهم، وبعض الجنود طلبوا توجيهات من رجال دين وحاخامات، ومنهم من رفض تنفيذها في ساحة الحرب.
نماذج من تنفيذ بروتوكول “هانيبال”
إليك أمثلة على تفعيل بروتوكول “هانيبال” في عدة حالات:
مارس/آذار 2016: تم تفعيل بروتوكول “هانيبال” عندما اضطر جنديان إسرائيليان إلى ترك مركبتهما بعد تعرضهما لهجوم أثناء اقتحام مخيم قلنديا للاجئين. تم استخدام هذا الإجراء بسبب احتمال اختطاف أحد الجنود.
أغسطس/آب 2014: تم تفعيل بروتوكول “هانيبال” بعد اعتقاد الجيش الإسرائيلي أن الملازم هدار غولدين تم أسره في رفح جنوب قطاع غزة. تسبب القصف العسكري العشوائي في وفاة العديد من المدنيين الفلسطينيين.
يوليو/تموز 2014: تم تنفيذ بروتوكول “هانيبال” بعد الشك في أن جنديًا اسمه “غاي ليفي” تم أسره خلال معركة الشجاعية.
أكتوبر/تشرين الأول 2000: تم تفعيل بروتوكول “هانيبال” بعد أسر حزب الله لثلاثة جنود إسرائيليين في منطقة مزارع شبعا. نتج عن ذلك قصف عنيف على عدة مركبات.
خلال حرب غزة (2008–2009): تم تفعيل بروتوكول “هانيبال” بعد إصابة جندي إسرائيلي بالرصاص ولمنع اختطافه وللحفاظ على سراح الجنود الجرحى.
يونيو/حزيران 2006: تم تنفيذ بروتوكول “هانيبال” بعد اختطاف جلعاد شاليط من قبل حماس.
يوليو/تموز 2006: تم تنفيذ بروتوكول “هانيبال” بعد اختطاف جنديين إسرائيليين من قبل حزب الله قرب الحدود اللبنانية الإسرائيلية.
هذه الأمثلة تظهر كيف تم تفعيل بروتوكول “هانيبال” في عدة حالات مختلفة بما في ذلك محاولات منع اختطاف جنود إسرائيليين بما في ذلك استخدام القوة والقصف العسكري للمناطق المشبوهة.